فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



6- أن يكون تاما فلا يبنيان من نحو كان وكاد وصار لأنهن نواقص وحكى ابن السراج والزجاج: ما أكون زيدا قائما.
7- أن يكون مثبتا فلا يبنيان من منفي سواء كان ملازما للنفي نحو ما عاج بالدواء أي ما انتفع به ومضارعه يعيج ملازم للنفي أيضا كذا قال النحاة وطاح كلامهم بوروده غير منفي، روى أبو علي القالي في نوادره: أنشدنا ثعلب عن ابن الاعرابي:
ولم أر شيئا بعد ليلى ألذه ** ولا مشربا أروى به فأعيج

أي أنتفع به أم غير ملازم للنفي لئلا يلتبس المنفي بالمثبت.
8- أن لا يكون اسم فاعله على وزن أفعل فعلاء فلا يبنيان من نحو عرج فهو أعرج من العيوب وشهل فهو أشهل من المحاسن وخضر الزرع فهو أخضر من الألوان ولمي فهو ألمى من الحلي لأن الألوان والعيوب والمحاسن الظاهرة جرت مجرى الخلق الثابتة التي لا تزيد ولا تنقص كاليد والرجل وسائر الأعضاء في عدم التعجب منها.
شرط تاسع:
وهناك شرط تاسع أغفله الكثير من النحاة مع أنه مهم جدا وهو أن لا يستغنى عنه بالمصوغ من غيره نحو قال من القائلة فانهم لا يقولون ما أقيله استغناء بقولهم ما أكثر قائلته، ذكره سيبويه ونحو سكر وقعد وجلس فانهم لا يقولون ما أسكره وأقعده وأجلسه استغناء بقولهم ما أشد سكره وأكثر قعوده وجلوسه وزادّ ابن عصفور قام وغضب ونام، وحكى سيبويه ما أنومه وقالوا أنوم من فهد.
كيف يتم التوصل إلى التعجب مما فقد بعض الشروط:
ويتوصل إلى التعجب من الزائد على الثلاثي ومما وصفه على أفعل فعلاء بما أشد ونحوه وبنصب مصدرهما بعده وبأشدد ونحوه وبجر مصدرهما بعده فتقول ما أشد انطلاقه أو حمرته وأشدد بانطلاقه وحمرته والمنفي والمبني للمجهول يكون مصدرهما مؤولا لا صريحا نحو ما أكثر أن لا يقوم وما أشد ما ضرب واشدد بهما وأما الناقص فيؤتى بمصدره إن كان له مصدر على نحو ما تقدم نحو ما أشد صيرورته جميلا وأما الجامدة وغير القابل للتفاوت فلا يتعجب منهما البتة.
3- القول في أحد، والفرق بين الأحد والواحد:
أحد أكمل من الواحد ألا ترى أنك إذا قلت: فلان لا يقوم له واحد جاز في المعنى أن يقوم له اثنان فأكثر بخلاف قولك لا يقوم له أحد وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد تقول ليس في الدار أحد فيجوز أن يكون من الدواب والطير والوحش والإنس فيعم الناس وغيرهم بخلاف ليس في الدار واحد فإنه مخصوص بالآدميين.
ويأتي الأحد في كلام العرب بمعنى الواحد فيستعمل في النفي والإثبات نحو {قل هو اللّه أحد} أي واحد، وأول {فابعثوا أحدكم بورقكم} وبخلافهما فلا يستعمل إلا في النفي تقول ما جاءني من أحد ومنه قوله تعالى: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} وواحد يستعمل فيهما مطلقا وأحد يستعمل في المذكر والمؤنث قال تعالى: {لستنّ كأحد من النساء} بخلاف الواحد فلا يقال كواحد من النساء بل كواحدة، وأحد يصلح للأفراد والجمع ولهذا وصف به في قوله: {من أحد عنه حاجزين} بخلاف الواحد والأحد له جمع من لفظه وهو الأحدون والآحاد وليس للواحد جمع من لفظه فلا يقال واحدون بل اثنان وثلاثة، والأحد ممتنع من الدخول في شيء من الحساب بخلاف الواحد فتلخص من ذلك سبعة فروق.
4- قصة انقطاع الوحي لفترة محدودة:
ولابد هنا من تفصيل قصة انقطاع الوحي فقد ذكر الرواة أن قريشا لجأت إلى وسيلة رهيبة لتكافح بها تأثير القرآن فأوفدت إلى يهود يثرب فدا يسألها عن الوسائل التي تستطيع أن تقاوم بها هذا الذي جاء به محمد فطلب منهم اليهود أن يسألوا النبي عن أمور فلما عادوا إلى مكة ذهبوا اليه وقالوا يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هي؟ فقال لهم النبي:
- أخبركم عما سألتم غدا.
وكان رسول اللّه ينتظر أن ينزل عليه وحي فيه جواب ما سألت عنه قريش ولكن الوحي أبطأ على النبي خمسة عشر يوما وطارت قريش فرحا بعجزه عن الجواب وقالت وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه وقد أحزن النبي انقطاع الوحي عنه حزنا شديدا وزاد في قلقه ما كان يتكلم به أهل مكة وفي ختام هذا اليوم نزل جبريل فابتدره بقوله:
- لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا فرد عليه جبريل بالآية الكريمة: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا} ثم أخذ جبريل يلقن النبي سورة: الكهف وفيها- كما سيأتي- رد على ما سألت قريش وتفصيل رائع لكثير من الأمور التي تشغل الأذهان إذ ذاك وقد أخذت عليهم إجابات سورة الكهف السبيل فلم يحيروا ردا ولا جوابا.

.[سورة الكهف: الآيات 27- 28].

{وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}.

.اللغة:

{مُلْتَحَدًا}: ملتجأ تجنح اليه لائذا إن هممت بالتبديل للقرآن وفي المصباح: قال أبو عبيدة: ألحد إلحادا جادل ومارى ولحد جار وظلم وألحد في الحرم استحل حرمته وانتهكها والملتحد بالفتح اسم الموضع وهو الملجأ وفي القاموس: التحد عن الدين بمعنى ألحد والتحد إلى كذا مال والتحد إلى فلان التجأ.
{وَلا تَعْدُ عَيْناكَ} لا تنصرف يقال عداه إذا جاوزه ومنه قولهم عدا طوره وجاءني القوم عدا زيد فحق الكلام أن يقال بالنصب أي لا تعد عينيك وانما عدل إلى الرفع لأنه أراد صاحب العينين فهو من المجاز وسيأتي مزيد شرح له في باب البلاغة.
{فُرُطًا}: بضمتين أي مجاوزا الحد وقد تقدم شرح هذه المادة مفصلا.

.الإعراب:

{وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ} الواو عاطفة واتل فعل أمر مني على حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره أنت وما مفعول به وجملة أوحي صلة وإليك متعلقان بأوحي ومن كتاب ربك حال من ما.
{لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} لا نافية للجنس ومبدل اسمها مبني على الفتح ولكلماته خبر والجملة حالية ولن تجد عطف ومن دونه حال وملتحدا مفعول به. {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} واصبر عطف وهو فعل أمر والفاعل مستتر تقديره أنت ونفسك مفعول به ومعنى الصبر هنا حبس النفس وتثبيتها وفي المختار: الصبر حبس النفس عن الجزع وبابه ضرب وصبره حبسه قال تعالى: {واصبر نفسك} وقال أبو ذؤيب يرثي ابنه:
فصبرت عارفة لذلك جسرة ** ترسو إذا نفس الجبان تطلع

أي حبست نفسا عارفة لذلك البلاء وضمّن عارفة معنى صابرة فعداه باللام وجسرة أي قوية صلبة ويروى حرة تسكن إذا طلعت نفس الجبان من مستقرها وطارت شعاعا. ومع الذين ظرف مكان متعلق باصبر وجملة يدعون ربهم صلة وربهم مفعول به وبالغداة والعشي متعلقان بيدعون وجملة يريدون وجهه حال. {وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا} عطف على واصبر ولا ناهية وتعد مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف حرف العلة وعيناك فاعل وعنهم متعلقان بتعد وجملة تريد زينة الحياة الدنيا حال والدنيا صفة وسيأتي القول مفصلا عنها في باب الفوائد. {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} الواو عاطفة على ما تقدم ولا ناهية وتطع مجزوم بها والفاعل مستتر ومن مفعول به وجملة أغفلنا صلة وقلبه مفعول به وعن ذكرنا متعلقان بأغفلنا واتبع هواه فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به والواو عاطفة وكان واسمها وخبرها.

.البلاغة:

المجاز العقلي:
في قوله: {ولا تعد عيناك} مجاز عقلي لأنه أسند فعل عدا أي تجاوز إلى العينين ومن حقه أن يسندهما إليه لأن عدا متعد بنفسه كما تقدم وانما جنح إلى المجاز لأنه أبلغ من الحقيقة فكأن عينيه ثابتتان في الرنو إليهم وكأنما أدركتا ما لا تدركان وأحستا بوجوب النظر إلى هؤلاء وصبر النفس ورياضتها على ملازمتهم.
وقيل هو من باب التضمين فقد ضمن عدا معنى نبا وعلا من قولهم نبت عينه عنه إذا اقتحمته ولم تعلق به والغرض من هذا التضمين إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من إعطاء معنى مفرد أي لا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم وهو جميل أيضا.

.الفوائد:

القاعدة في اسم التفضيل أنه إذا كان مقترنا بأل امتنع وصله بمن الجارة فلا يقال فلان الأفضل من فلان ووجبت مطابقته لما قبله إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا وقد شذ وصله بمن في قول الشاعر:
ولست بالأكثر منهم حصى ** وإنما العزة للكاثر

وإذا تجرد من أل والاضافة فلابد من إفراده وتذكيره في جميع أحواله وأن تتصل به من المجارة ولو تقديرا نحو قوله تعالى: {وللآخرة خير وأبقى}.
وإذا أضيف إلى نكرة وجب إفراده وتذكيره وامتنع وصله بمن الجارة.
وإذا أضيف إلى معرفة امتنع وصله بمن الجارة وجاز فيه وجهان:
الإفراد والتذكير كالمضاف إلى نكرة ومطابقته لما قبله وقد ورد الاستعمالان في القرآن فمن الأول {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} ولم يقل أحرصي الناس ومن الثاني {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها}.
حكم الدنيا: هذا والقياس أن تأتي الدنيا بالألف واللام لأنها صفة في الأصل على وزن فعلى والمذكر الأدنى له فمن حقها المطابقة كما أتت في الآية التي نحن بصددها على أنهم استعملوها استعمال الأسماء فهم لا يكادون يذكرون معها الموصوف فاستعملوها بغير ألف ولام كسائر الأسماء قال العجاج:
يوم ترى النفوس ما أعدت ** من نزل إذا الأمور غبت

في سعي دنيا طالما قد مدت ** حتى انقضى قضاؤها فأدت

وقال بشامة بن حزن النهشلي وقيل للمرقش الأكبر:
وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ** يوما سراة كرام الناس فادعينا

فقيل جلى مؤنث أجل على حد الأكبر والكبرى وبذلك يجري مجرى دنيا في سيرورة الاستعمال استعمال الأسماء وقيل هو مصدر كالرجعى والبشرى بمعنى الرجوع والبشارة فأما قول أبي نواس الحسن ابن هانئ يصف الخمر:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها ** حصباء در على أرض من الذهب

فقد عابه بعضهم لكونه استعملها نكرة وهذا الضرب من الصفات لا يستعمل إلا معرفة والاعتذار عنه أنه استعملها استعمال الأسماء لكثرة ما يجيء منه بغير تقدم موصوف ويجوز أن يكون لم يرد فيه التفضيل بل معنى الفاعل كأنه قال كأن صغيرة وكبيرة من فواقعها على حد قوله تعالى: {وهو أهون عليه} وقيل أن {من} المذكورة زائدة وكبرى مضافة إلى فواقعها لكن يرد على هذا أن زيادة من في الموجب لا تجوز.
وقال ابن الأثير في المثل السائر: ألا ترى أن أبا نواس كان معدودا في طبقات العلماء مع تقدمه في طبقات الشعراء وقد غلط فيما لا يغلط مثله فيه فقال في صفة الخمر:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها ** حصباء در على أرض من الذهب

وهذا لا يخفى على أبي نواس فإنه من ظواهر علم العربية وليس من غوامضه في شيء لأنه أمر نقلي يحمله ناقله فيه على النقل من غير تصرف وقول أبي نواس صغرى وكبرى غير جائز فإن فعلى أفعل لا يجوز حذف الألف واللام منها وانما يجوز حذفها من فعلي التي لا أفعل لها نحو حبلى إلا أن تكون فعلى أفعل مضافة وهاهنا قد عريت عن الاضافة وعن الألف واللام فانظر كيف وقع أبو نواس في مثل هذا الموضع مع قربه وسهولته.
ورد ابن أبي حديد في كتاب الفلك الدائر على هذا القول بأن قال: لا ينكر أن كثيرا من أئمة العربية طعن في هذا البيت ولكن انتصر لأبي نواس كثير منهم فقالوا: وجدنا فعلى أفعل في غير موضع واردة بغير لام ولا إضافة ولا من مثل دنيا في قول الراجز: في سعي دنيا طالما قد مدت، وقول الآخر: وإن دعوت إلى جلى ومكرمة، وقول الآخر لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة، وقالوا: طوبى لك. وفي البيت وجه آخر وهو أن تكون من في قوله من فواقعها زائدة على مذهب أبي الحسن الأخفش في زيادة من في الواجب فإنه يذهب إلى ذلك ويحتج بقوله تعالى: {فيها من برد} أي فيها برد وهذا يرجح أن يكون صغرى وكبرى في البيت مضافتين.
قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس: هذا عجيب من مثل هذا الرجل الفاضل أما إيراده دنيا وأخواتها فكل وجوهها مذكورة في كتب النحاة بما يغني عن الإطالة بذكره بخلاف صغرى وكبرى، وأما قوله بزيادة من فكأنه يظن أن من إذا كانت زائدة كان الجر بالإضافة أو كانت الإضافة باقية وهذا لا وجه له وإنما الجر بحرف الجر لأن حروف الجر لا تعلق وأما زيادة حرف الجر بين المتضايفين فلم بقل به إلا في مثل لا أبا لك على شذوذ وليس هذا منه ولا يريد الأخفش بقوله أن من تزاد في الواجب ما أراد ابن أبي الحديد ومثله قول العروضيين فاصلة صغرى وفاصلة كبرى أي صغيرة وكبيرة لا يريدون التفضيل وانما يريدون الاسم وقول أبي تمام يصف الربيع:
دنيا معاش للورى حتى إذا ** حل الربيع فإنما هي منظر

غلبت الاسمية عليها حتى لم يعد يلمح لأصل التفضيل فيها.
وننتهز الفرصة لنورد أبياتا من القصيدة التي منها هذا البيت لأبي نواس لحسنها، ومطلعها:
ساع بكأس إلى ناس على طرب ** كلاهما عجب في منظر عجب

قامت تريني وستر الليل منسدل ** صبحا تولد بين الماء والعنب

كأن صغرى وكبرى

إلخ البيت.
وبعده:
كأن تركا صفوفا في جوانبها ** تواتر الرمي بالنشاب من كثب

في كف ساقية ناهيك ساقية ** في حسن قدّ وفي ظرف وفي أدب

.[سورة الكهف: الآيات 29- 31].

{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}.

.اللغة:

{أَعْتَدْنا}: أعددنا وهيأنا وفي القاموس عتّد وأعتد الشيء:
هيأه وأعده وعتد الشيء يعتد من باب ظرف وجمل عتادا تهيأ، وتعتد في صنعته تأنّق فيها والعتاد: ما أعد لأمر ما، وكل ما هيء من سلاح وآلة حرب والجمع أعتد وعتد وأعتدة.
{سُرادِقُها}: السرادق بضم السين وكسر الدال: الفسطاط الذي يمد فوق صحن البيت والخيمة والغبار والدخان المرتفع المحيط بالشيء والجمع سرادقات وفي الكشاف: شبه ما يحيط بهم من النار بالسرادق وهو الحجرة التي تكون حول الفسطاط وبيت مسردق ذو سرادق وقيل هو دخان يحيط بالكفار قبل دخول النار وقيل حائط من نار يطيف بهم وقال الراغب: السرادق: فارسي معرب وليس في كلامهم اسم مفرد ثالث حروفه ألف بعدها حرفان إلا هذا وفي المختار: السرادق مفرد والجمع سرادقات الذي يمد فوق صحن الدار وكل بيت من كرسف أي قطن فهو سرادق ويقال بيت مسردق.
قال الجوهري: والسرادق واحد السرادقات وهي التي تمد فوق صحن الدار وكل بيت من كرسف فهو سرادق ومنه قول رؤبة:
يا حكم بن المنذر بن جارود ** سرادق المجد عليك ممدود

وقال الشاعر:
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه ** صدور الفيول بعد بيت مسردق

يقوله سلام بن جندل لما قتل ملك الفرس ملك العرب النعمان ابن المنذر تحت أرجل الفيلة.
{المهل}: بضم الميم اسم يجمع معدنيات الجواهر كالفضة والحديد والصفر، ما كان منها ذائبا، القطران الرقيق، الزيت الرقيق، السم، القيح أو صديد الميت خاصة، ما يتحات عن الخبز من الرماد وقيل هو كعكر الزيت أي ما بقي في الإناء منه والخلاصة هو اسم جامع لكل المستقذرات التي تغثى منها النفس وتتألم وتنفر.
{مُرْتَفَقًا}: تقدم ذكر هذه المادة في هذه السورة وهي هنا متكأ من المرفق وهذا لمشاكلة قوله وحسنت مرتفقا الآتي وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا اتكاء وقد يكون من وادي قوله:
إني أرقت فبت الليل مرتفقا ** كأن عيني فيها الصاب مذبوح

والارتفاق الاتكاء على المرفق مع نصب الساعد وهي هيئة المتحزن المتحسّر، والصاب نبت مرّ كالحنظل، والمذبوح المشقوق وهو كناية عن البكاء وانصباب الدموع والبيت لأبي ذؤيب الهذلي.
{السندس}: ما رقّ من الديباج.
{الاستبرق}: ما غلظ من الديباج والإستبرق يونانية والسندس فارسية وقيل هندية وقد تقدم ذكرهما في جدول أحصينا فيه الألفاظ الأعجمية.